16 - 06 - 2024

مؤشرات | موازنة تفتقر إلى العدالة الضريبية

مؤشرات | موازنة تفتقر إلى العدالة الضريبية

لا أنكر إعجابي بالتقارير والدراسات التي تصدر عن مركز السياسات البديلة بالجامعة الأمريكية وعمقها وتقديمها لرؤى معمقة للعديد من القضايا التي تهم الوطن والأمة على المستوى المحلي و القومي ، كما تقدم رؤية لمتخذي القرار للعديد من الأبعاد التي قد تحقق حالة توازن مجتمعي.

وتذكرني بالدراسات التي كانت تصدرها الجامعة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي والتي كنا نعتبرها كنزا بحثيا معلوماتيا للصحافة أو كمصدر للدراسات. وكنا نحصل عليها ورقية من مصادرنا بالجامعة.. ونتسابق في نشرها.. واليوم اختلف الوضع في عصر التكنولوجيا، فالدراسات والتقارير متاحة وأسهل مما كنا نعانيه ..

وللأمانة فإن أهمية دراسات مركز السياسات البديلة تتمتع بحرية أعلى في طرح الرؤي..مما يحفز القارئ لها على متابعتها... وانطلاقا من هذا قررت أن أطرح بعضها للتحليل والنقاش في الزوايا التي أكتبها في وسائل إعلام مختلفة لتعميم الفائدة.

في قراءة مبدئية لمشروع موازنة الدولة لعام 2025/2024، بين تقرير إقتصادي مهم أن البيان المالي للموازنة يشير إلى أن الجزء الأكبر منها تموله ضرائب محدودي الدخل والجهات السيادية، فيما غاب عن الموازنة أي دور مؤثر لضرائب الثروة والمهن الحرة التجارية وغير التجارية والأرباح الرأسمالية للشخصيات الاعتبارية في تحمل العبء الضريبي، وهو ما يجعل الموازنة تفتقر إلى العدالة.

أرقام البيان المالي توضح أن مشروع الموازنة - التي ىدأ البرلمان في مناقشته - أن الضرائب بنسبة 77% من الإيرادات العامة، وهي تمثل زيادة 32.2% عن المتوقع في موازنة العام الجاري.

التقرير التحليلي الذي أعده فريق (عدسة) بمركز "حلول للسياسات البديلة" التابع للجامعة الأمريكية، ووفقا لحساباته، فإن إجمالي الإيرادات الضريبية المتوقعة للعام المالي الحالي نحو 1.5 تريليون جنيه بينما يستهدف مشروع الموازنة الجديد نحو 2 تريليون جنيه (11.8% من الناتج الإجمالي المحلي)، فيما تمثل ضريبتا "القيمة المضافة" و"الدخل على المرتبات والضرائب السيادية لقناة السويس والبنوك" نحو 67% من إجمالي الإيرادات الضريبية.

ولو نظرنا إلى تفاصيل مساهمة ضريبة القيمة المضافة والتي يمثل الفقراء النسبة الأكبر في تمويلها، نجد أنها المول الرئيسي الحصيلة الضرائب، بنسبة 36% من إجمالي الإيرادات الضريبية في مشروع موازنة العام المالي القادم، وهذا يؤكد أن تلك الضريبة غير المباشرة تأاتي من جيوب فقراء المجتمع وليست من كبار الممولين أو الأغنياء والقادرين.

وذكر أن ضريبة القيمة المضافة عبارة عن نسبة مقطوعة من سعر السلعة فهي من نوع الضرائب غير العادلة التي لا تأخذ بعين الاعتبار الفروقات في مستوى الدخول، وهنا يأتي تفسير التقرير بالقول أن المستهلك الأقل دخلًا يدفع ضريبة على الاستهلاك أكثر من التي يدفعها ذوو الدخول المرتفعة نظرا لأنهم ينفقون الحصة الأكبر على احتياجاتهم الأساسية، ويدخرون الجزء الأقل، وإن كان هذا الإدخار مشكوكا فيه.

الأهمية في هذا التحليل أنه وإلى جانب العبء الضريبي للقيمة المضافة، تؤكد نسبة الضريبة على الدخول من التوظيف أي المرتبات، ووفقًا لمشروع الموازنة، تحمل أصحاب الدرجات الوظيفية الأقل (الثانية والثالثة وما تحتها) الذين يمثلون القاعدة العمالية للأجهزة الإدارية والمنشآت المختلفة تمويل الموازنة.

والأرقام التي أوردها التقرير مزعجة، ومثيرة للضغينة بسبب غياب عنصر العدالة، حيث تساهم ضريبة المرتبات نحو 55% من إجمالي ضرائب الدخل المفروضة على الأشخاص الطبيعيين ولا تتجاوز ضريبة الدخل على أصحاب المهن الحرة (الأطباء و المهندسين والمحامين، وغير ذلك 16 مليار جنيه، ما يعادل 5% فقط من نفس البند.

ومن أرقام عدم العدالة، وتحميل فقراء المجتمع أكثر من طاقتهم، ومجمل إمكانيااتهم، فإن ضريبة الدخل من النشاط التجاري والصناعي تساهم بمبلغ 111 مليار جنيه، بما يعادل 37%، بينما تسجل الضريبة على الإيراد من الثروة العقارية نسبة 0.9% من ضريبة الدخل على الأشخاص الطبيعيين

وغياب العدالة يتضح أكثر وأكثر، فيما يتعلق بتوزيع العبء الضريبي بشكل أوضح حين نقارن ضريبة الدخل على المرتبات بأحد أنواع ضرائب الثروة وهي ضريبة الأراضي والمباني (الضريبة العقارية) حيث بلغت قيمتها المستهدفة نحو 8 مليارات جنيه، وهو رقم هزيل إذا قورن بقيمة ثروة عقارية تصل إلى 10 تريليونات جنيه على أقل تقدير لها.

والنقد لايكفي وحده لبناء العدالة في مشروع الموانة الجديدة للعام 2024- 2025، فمن المهم أيضا وضع واقتراح حلول، وفي هذا الإطار، يأتي السؤال (كيف يمكن للحكومة أن تصل إلى موازنة أكثر عدالة؟).

والإجابة السليمة والمقبولة تتمثل في أهمية إعادة النظر في تفعيل ضرائب الثروة، فمكافحة التجنب والتهرب الضريبي، التي تقدر بمتوسط  43.46% بسبب استخدام تعليمات مطاطية للتحصيل الضريبي ووجود عديد من الثغرات في التشريع يؤدي إلى زيادة معدلات التهرب.

وأيضا من المهم إقرار قانون الرقم القومي الموحد للعقارات لحل مشكلات حصر وتسجيل العقارات في السجل العيني وميكنة عمليات التقييم العقاري لتسجيل القيم السوقية للعقارات وقت الحصر واستخدامها في إعادة التقييم الخَمسي (كل 5 سنوات)، بخلاف ضرورة حساب معدل الزيادة وفقًا لمعدلات التضخم، وتوفير خرائط مُحدَّثة لتسهيل حصر التوسعات.

والسؤال الأهم والمهم، إلى متى يظل الفقراء هم الأضعف في الحلقة الجهنمية للإقتصاد وأزماته، وهم من يدفعون ثمن الفشل، وآخر من يحصدون ثمار النجاح، وأيضا الفقراء هم من يسددون الفاتورة لتسيير الإقتصاد، وأيضا هم من يقتطعون من جيوبهم الجنيهات المتبقية بالرضا وبالقوة لسداد ما تستطيع به الدولة تسيير أمورها المالية؟..

السؤال ليس وليد اليوم، بل هو سؤال الأمس واليوم وسيظل مطروحا، حتى يشعر الناس البسطاء أنهم في عدالة بكل شئ، خدمة ودخلاً ورواتب .. وضرائب .. وغير ذلك..
--------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | تجميل أمريكي للكيان الصهيوني





اعلان